(حكايات من زمن فات)
عندما كنت فى مقتبل شبابى بأوائل السبعينيات كان حلمى الذى يطاردنى هو السفر لبلاد الفرنجة وبالاخص لندن و باريس و أقلع الجلابية وألبس بنطلون جنس وقميص وأمشى فى الشانزليزيه والبيكاديلى ولما تشوفني اى فرنجاية تشاورلى .
وقد كان لى ما أردت فقد كان الحصول على تأشيرة الدخول لأي من بلاد الفرنجة أمر سهل جدا في ذاك الزمان ، وعندما وطأت رجلاى عاصمة الضباب لندن وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وبعد الوصول لأحد الفنادق المتوسطة خلدت للنوم وما أن لاح الصباح هرولت للشارع فكلي شغف لأرى عاصمة المملكة التي لا تغيب عنها الشمس كما أطلق عليها هذا المسمى حيث كانت تحتل معظم دول العالم وبما يزيد عن ربع سكان العالم.
الكل أراه كالقطار السريع وكلما أواجه إحداهن وأناولها "جود مورننج " وانتظر أن تناولني ابتسامة ولتقول لي " مورنجك جاسمين يا بيوتفول" فلا أجد حتى التفاتة فقلت فى نفسى "أنه الصباح والكل ذاهب إلى عمله ولعل بالمساء مقصدي".
أعدت هيكلة نفسى فظبطت من نعكشة شعرى بالمشط الشوكة الذى أصطحبته معى فقد كانت الفكرة العالقة بذهنى أن الشقروات يعشقن سمر الوجوه والشعور المنكوشة ولجذب الانتباه عن بعد رششت ملابسي بكمية لا بأس بها من عطر (ون مان شو).
وخرجت بالمساء فوجدت سكون غريب بالشوارع فخيل لى أننى بأواخر الليل ولكن كانت الساعة الثامنة مساء فضربتنى الحيرة فعدت للفندق وأنا أجر أذيال خيبة أملى فنمت مغموما ومتحسرا من ضياع يوما بلا انتعاشة قلبية، وأخيرا جاءت لى فرصة التعرف على إحدى الشقروات وكانت تعمل بريسبشن الفندق وبعد الحاح من جانبى ونظرا لاتقانى اللغة الانجليزية فكان من السهل اقناعها أن تصطحبنى بالمساء لقضاء ساعة واحدة للعشاء كما حددت هي ذلك وأثناء جلوسنا نتبادل الحديث أردت أن أعبر لها عن تقديرى لها ومدى جمالها الفتان الذي ضربني بسويداء قلبي فقلت لها : انت رائعة الجمال فأبتسمت ولم ترد فناولتها على الفور كلمة أحبك فما منها إلا أن نظرت إليّ باستغراب وقالت لى: كم من الوقت تعرفنى؟ فقلت لها : ساعات قليلة فقالت لى : وكيف جاء لك الحب سريعا ؟ فبادرتها قائلا: من النظرة الأولى فضحكت وقالت لى : ولكننى لا أشعر بك فقد أكون معجبة بك فقط ؛ فكانت القاضية التي جعلت العرق يتصبب مني وتوقف الكلام متحسرا على ضياع يوما بلا هدف.
وكم كانت سعادتى بعد ذلك عندما اتكلم مع إحداهن وأقول لها : ريلى أى لايك يو فترد وتقول: مى تو وحرمت أقول أى لف يو.
وكان أول درس تعلمته في الحياة أن كلمة حب ليست كباقى الكلمات فلها قدسيتها ، فليس كل من قال أحبك قد صدق فهى لا تقال باللسان ولكنها تخرج من القلب على هيئة شعاع خفى ويترجمها اللسان .
ولهذا رأى سلاطين العشق والهوى أنه يجب أن تصان هذه الكلمة حتى لا تستخدم إلا عندما تتفاعل الاحاسيس تفاعلا ليس له رجعة وحتى لا تعتبر من الكلمات عابرة السبيل ومن ينطقها يجب أن يكون على قدر طاقتها.
الآن وللأسف يشتكى الحب فكل من هب ودب يقول أحبك وهو لا يعلم ما هو الحب فتمرمط الحب وصار رخيصا.
قل أنا معجب بك ولا تقل أحبك إلا إذا كنت فعلا صادقا ودع قلبك هو الذى يقولها.
وإلي لقاء آخر بصفحة من ذكرياتي الماضية بأذن الله
تحياتي