بعد تردد قررت أن أسجل أسمي ضمن طالبي لقاح كورونا ولم يمر إلا يومان ووجدت رسالة بتليفوني المحمول تبلغني بأن أذهب لمركز التطعيم القريب للمنزل وبت في حيرة وكأنني مقدم على عملية طبية كبرى .. توكلت على الله ذاهبا للمركز الطبي .. ما هذا الجمع الغفير من البشر وكلهم من كبار السن مثل حالتي بل هناك من تعد العقد الثامن وجاء بصحبة أبنه ومنهم من جاء على كرسي متحرك .. بصراحة النظام كان أكثر من رائع وكل له رقم ينادي به.
جلست انتظر دوري بجانب أحدهم وكان رشيقا جدا .. وسيما في ملبسه حتى النظارة الشمسية بإطارها الذهبي تكمل وسامته وكأنه في ريعان شبابه علاوة على خفة دمه بدرجة كبيرة ودار حوار بدأه هو:
- شايفك متوتر .. صح ؟.
- لا والله .. أصل أكتر حاجة بأكرها غرز الحقن.
- هو حضرتك كام سنة؟.
- سبعين؟.
- طب تديني أنا كام سنة؟.
داعبته قائلا:
- نقول تقريبا أربعين؟
قهقهة عالية .. وقال:
- أنا عندي واحد وتسعون عاما وكام شهر.. وأولادي غصبوا علي آخد اللقاح .. أقول لهم يا ولاد كورونا مش ها تعدي عليّ لأن في ميثاق شرف بين الأمراض وأنا والحمد لله عندي عدد هائل منها وما فيش مكان ليها عندي.
كان هذا الشخص يسبقني بعدة أرقام وقد تم المناداة على رقمه فقام وبمساعدة أبنه واتجها إلى الغرفة المخصصة وعاد بعد أن تلقى اللقاح وجلس ثم نظر إلي قائلا:
- أبسط يا عم حظك حلو.. اللي أدتني الحقنة دكتورة ما شاء الله يدها زي ريشة النعامة مش زي الواد أبني بيغرز الحقنة وكأنه بيقور كوسة المحشي.
جاء دوري وأوقفني أحد المنظمين أمام غرفة مغلقة لحين خروج من بها فسألته هو اللي بيدي اللقاح دكتور ولا دكتورة فقال لي: دكتور .. فبادرته : والغرفة الأخرى فقال لي: دكتور بردو.. النهاردة كلهم دكاترة رجالة.
"الله الله أومال الراجل قالي أن اللي أعطاه اللقاح دكتورة ليه ؟" هكذا حدثت نفسي.
خرجت فوجدت الشخص أياه جالسا فجلست بجانبه وسألته: أنت لسه هنا ما روحتش؟ فقال لي: منتظر أبني التاني يجي بالعربية.. فسألني ضاحكا:
- أيه رأيك بقى في يد الدكتورة مش زي ما قلت لك بالظبط؟.
فقلت له :
- يا عم ما فيش دكتورة في الغرفتين كلهم دكاترة .
فضحك مقهقها جعل من بجانبنا يتنبه وقال:
- ما أنا لو قلت لك دكتور كنت ها تترعش وتخاف وممكن ترجع في كلامك ماهو أصل إحنا يا معشر الرجال بنحس براحة نفسية لما نتعامل مع النساء .. كلهن رقة وحنان.
تلقف الحديث أحد كبار السن يجلس بجوارنا فوجدته انتفض قائلا:
- رقة وحنان وراحة نفسية إيه يا عم الحاج دول شغالين قتل وتقطيع في الرجالة ولا هولاكو في زمانه ولا أنتم مش بتابعوا الأخبار.. ده حتى البنات اللي أخدوا ميداليات في طوكيو خدوها في العاب القتال .. وتقولي راحة نفسية .. يمكن قصدك راحة أبدية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق