إعلان

أحدث إصدارات الكاتب عادل إدريس المسلمي لعام 2021 .. الفانتازيا الساخرة (سعيكم مشكور) إصدار دار الراية للنشر والتوزيع .. متواجدة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2021 وقريبا بمكتبات مصر والدول العربية

الخميس، 21 يوليو 2011

الباشا عايزها مدنية بلا مرجعية

قابلته مصادفة أثناء ترجلى بميدان التحرير الرجل يلبس ثياب متسقة زاهية الالوان تبدو ملامحه من أنه من الطبقة الميسورة الحال أعتقد أنه فى العقد الخامس من العمر ذو شعر كثيف ناعم لا تظهر به أيه خصيلات بيضاء وقد لفت أنتباهى أن عيناه زائغتان تعسس هنا وهناك شدنى حب الأستطلاع أن أتحدث معه فكان هذا الحديث:
-        مساء الخير.
-        مساء النور قالها وهو ينظر إلى بأستغراب.
سألته :
-        سيادتك من أئتلاف أو حزب معين؟ 
سكت للحظات ثم سألنى :
-        حضرتك صحفى؟.
-        كان ردى لا والله مش صحفى .
-        أبتسم أبتسامة خفيفة وقال لى يبقى حضرتك من منسقى الثورة ولا
         من حزب معين.
      لا من ده ولا من ده.
ضحك وقال لى :     
    -      يعنى غاوى الميدان مثلى.
ضحكت بصوت عالى وقلت له :
    -      هو هنا فى ناس غاوية وناس محترفة؟.
ضحك وقال بثقة :
 شوف يا أستاذ … قلت له عادل … عادل إدريس قال :
   -     تشرفنا يا أستاذ عادل إدريس … شوف يا أستاذ إدريس لو عدينا اللى فى الميدان حاليا ستجدهم حوالى الألفين منهم 500 بياع ودول ظاهرين أوى فى الميدان ومش محتاج أشرحلك دول بيبيعوا أيه لأنك شايفهم بوضوح وباقى الموجودين منهم قول 500 أو أكتر ناس غلابه من عشوائيات مصر دول قاعدين على طول وفعلا ليهم طلبات بس رابطين نفسهم بالاحزاب والأئتلافات المختلفة لعلهم ينالوا نصيب من طلباتهم المعقولة كالسكن وخلافه من متطلبات الحياه وبصراحة هما دول اللى بينزلوا الميدان أول ناس لما يكون هناك مليونيات لأن عندهم اللى يخليهم ينزلوا وعلى فكرة شباب الثورة بيعتمدوا عليهم إعتماد كلى فى كل حاجة من الوقوف فى مداخل الميدان وعمليات التفتيش وتنظيم المرور وأنا شايف أنهم فعلا عيال جدعان وقت الشده وعندهم عزيمة قوية وأتعلموا من شباب الثورة الكثير والعدد ده بيزيد وقت المليونيات أما المتبقين فى الميدان القليل جدا منهم من الأحزاب والائتلافات المختلفة وهم بييجوا فى شكل ورديات للظهور وأثبات الوجود ويزدادوا لو فى حاجة حصلت أو لترتيب المليونية وكلهم عندهم أشغال بيعملوا فيها وباقى الناس اللى أنت شايفها ديه جزء منهم المتسولين اللى كانوا بيناموا على الارصفة والبوليس بيمسكهم بالليل ودلوقت بيناموا مستريحين وفى أمان ولو جدع تقدر تقرب على واحد منهم يقوم عليك كل دول ولو قلت عليه ده متسول يرد عليك متين فى نفس واحد … ما ده من عمايل النظام السابق اللى خلى كل دول يتسولوا ! وجزء جاى بيتمشى وهم من الشباب اللى خلص الامتحانات وفاضى وجزء جاى يزور التحرير لأول مرة وجزء قليل جدا غاوى التحرير من بعد الثورة.
-        تقصد اللى زى سيادتك يا أستاذ ….
-        أسمى إسماعيل … إسماعيل خيرى.
-        تشرفنا يا أستاذ إسماعيل وسيادتك بتيجى كل يوم الميدان؟.
-        تقريبا أنا بأعتبر الميدان بالنسبة لى فسحة جميلة وبأعرف منه
         تطورات الأحداث أولا بأول وبأعرف اللى بيدور فى ذهن الناس.
-        طيب أنت شايف أن وجود الاعتصامات فى الميدان حاجة كويسة ولا
         أنت شايف أيه؟.
-   فى بادىء الأمر كان ضرورى من تواجد الناس فى الميدان وإلا كانت الثورة ستفشل فشل ذريع وسيعود النظام السابق دون أن يدرى أحد وتعود ريما لعادتها القديمة يعنى تواجد الناس فى الميدان كان البعبع اللى بيخوف فلول وأذناب النظام… لكن دلوقت أصبح التواجد فى الميدان ليس له جدوى وبصراحة حاجة محيرة الناس مش عارفه تعمل حاجة ومش مخلينهم يفكروا.
-        تقصد إيه بالناس؟.
-   أقصد الحكومة وبعدين ما اللى فى الميدان هما اللى أختاروا عصام شرف ودلوقت أنقلبوا عليه الناس فاكرة أن مصر ها تكون حلوه وجميله فى شهر ولا اتنين دى عايزة عملية تجميل تحتاج من خمسة لعشر سنين… النظام السابق خلص على مصر وخلى ووشها زى قفاها مطموس مش باين ليها مناخير من بق وعدمها العافيه ومش قادرة تمشى حتى على عكاز يعنى عايزة كونسلتو من جميع التخصصات وعايزة نقل دم وعايزة وعايزة وأهم شىء عايزة الناس تصبر عليها شوية دلوقت وزى ما سمعت طلع تغيير وزارى قامت الدنيا وقعدت على وزراء مترشحين وكانوا فى الطريق لأداء اليمين رجعوا من وسط السكة علشان مائة واحد  ولا متين قالوا مش عايزنهم دول كانوا من النظام.
-        ما الناس برضه معذورة يا أستاذ إسماعيل.
-       معاك بس مش بالطريقة ديه معنى ذلك أن ما فيش وزير ها ينفع لغاية
         لما تقوم القيامة.
-        مش فاهم.
-   يا أستاذ إدريس كل الناس اللى موجودة فى مصر ألان حتى اللى موجودين فى الميدان والاحزاب والائتلافات من النظام السابق اللى أشتغل فى زمن النظام يبقى من النظام ، لو مشى أى حد من رجالات النظام السابق فى شارع يبقى الشارع كله من النظام واللى سلمه مبارك جائزة سواء تقديرية أو تشجيعية يبقى من النظام.
-        والحل أيه من وجهة نظرك يا أستاذ أسماعيل؟.
-        الحل يستوردوا وزراء من الصين.
-        ههههههههههه معقوله نستورد وزراء!.
-        ما هى حاجة تحير البلد وقف حالها تماما.
-        تقصد عجلة الانتاج.
-       الانتاج بس ده كل حاجة والخطورة كبيرة وما فيش حد حاسس بذلك   
        إلا  إسرائيل هى الوحيدة المستفيدة ما هو كل ما تضعف هى تقوى
        والعكس.
-        بس فى ناس بتقول أن عجلة الانتاج متوقفة من قبل الثورة وكثير من
         الكتاب والمفكرين قالوا ذلك.
-        تقصد الدكتور علاء الأسوانى.
-        أنا لم أسمعه يقول ذلك.
-        لا هو قال كده وقال هى فين العجلة ديه يعنى عايز يقول الحال واقف
         واقف .
-        بس أنت شايف الحل أيه؟.
-        الحل الناس ديه تمشى ولازم نشوف حاجة تشغلهم مشروع كبير الكل
         ينشغل فيه.
-        طيب والناس ديه لما تمشى أنت ها تتفسح فين؟.
-        ههههههههه يا سيدى بس الناس تمشى ويحلها الف حلال صحيح ها
         أزعل لأنى أصبحت مدمن الميدان.
-        للدرجة دى!.
-        أيوه وعلى فكرة أنا مش متفائل بأن الميدان ها يفضى مهما حصل.
-        إزاى؟.
-        طالما ما فيش يد قويه يبقى الميدان ها يفضل مليان.
-        أنا ملاحظ إن الميدان بدأ يمتلأ.
-        فعلا ما الساعة دلوقت دخلت على العاشرة مساء وده الوقت اللى
         الشباب من كل حته بيجى يتمشى ويدردش ويفجر طاقته.
-        بس أنا ملاحظ أن فى بنات وستات بدأت تتواجد وبشكل كتير.
-        وماله ما هما دول برضة من الشعب وبيثبتوا وجودهم.
-        بس زمان ما كنش فى بنات ولا ستات ممكن تتواجد فى الوقت ده
          لما هما لسه واصلين أمال ها يمشوا أمتى؟.
-        الوقت ما بقاش مهم فى أيام الثورة ثم أحنا فى عصر غير العصر 
         يعنى دلوقت الحرية أصبحت ملاذ للجميع.
-        معنى ذلك أنك من مشجعى الحرية بلا حدود.
-        ولما لا كل واحد يعمل اللى يعجبه ما دام لا يؤذى أحد.
-        معنى ذلك أنك بتشجع الدولة المدنية ولا الدولة الدينية.
-        بالنسبة لى أنا أشجع الدولة المدنية وبدون مرجعية دينية.
-        بدون مرجعية دينية إزاى.
-   المقصود بالمرجعية الدينية يعنى كل واحد ودينه هو اللى يحكمة، المسلم دينه الاسلام والمسيحى دينة المسيحية واليهودى دينه اليهودى والبوذى البوذيه والوثنى الوثنية يعنى تقدر تقول دولة مدنيه بمرجعية كوكتيل أديان يعنى لازم القاضى يقعد على المنصة ومعاه كل أمور الاديان حتى يحكم وفقا لديانة المتهم.
-        وليه ما نقولس دولة مدنية بمرجعية دين الاسلام.
-        ها يقولوا دى ها تبقى دولة إسلامية والاخوان هما اللى بيحكموا هما 
        والسلفيين وها تحصل مشاكل والناس تروح ميدان التحرير وتعتصم 
         تانى.
-        طيب أنت من وجهة نظرك تريدها دولة مدنيه ليه.
-        أنا طول عمرى كنت عايش فى أوروبا وأحب مصر تبقى زى أوروبا 
        تعمل اللى أنت عايزة بحرية تامه طالما ما بتضيقش غيرك.
-        سؤال محرج ممكن.
-        أتفضل.
-        أنت متزوج.
-        لأ وهو ده السؤال المحرج.
-        يعنى.
-        أنا غير متزوج وما أظنش أنى ها أتجوز.
-        ياه قد كده بتكره النساء.
-        أنا لا أكره النساء بل أحترمهم ولكن أنا لا أميل للنساء بل أميل أكثر 
          للرجال.
-        تقصد صداقتك للرجال أكثر من النساء.
-   بمفهومك أنت أيوه ولكن بمفهومى أنا صعب أن أشرح لك لأنك قد تنفر منى فى لحظة رغم أنك متحمس للحديث معى وأمضينا أكثر من ساعة نتناقش.
-        مش فاهم…  ممكن توضح كلامك.
-        ممكن تفهم كلامى بعد قيام الدولة المدنية وساعتها ممكن لا تندهش
         ولا تنفر منى.
سرحت للحظات وأيقنت أننى فهمت قصده ونظرت إليه ولكنه أزاح حيرتى بسرعة عندما قال لى :
-       أرجو أن تكون قد فهمت قصدى ، مش قلت لك أن مشكلاتنا نحن العرب
        أننا نأخذ الأمور من منظور رجعى.
-        بس الرجعية أحيانا تكون نتيجة من الوازع الدينى.
-     ههههههههه مال الدين ومال الحرية الشخصية ثم هل البشر اللى
       بيحاسب البشر ولا الله هو المحاسب.
-    يعنى سيادتك بتطالب بدولة مدنية علشان تزيح عنى ومن غيرى الاندهاش والنفور وغير ذلك.
-        ممكن ولكن المجتع ساعتها لا ينظر لى أو غيرى ممن لهم أتجاهات
          معينة نظرة سيئة.
-        بس أؤكد لك أن المصريين بصفة خاصة لا يسمحون بقيام الدولة
      المدنية بهذا الشكل لأنها بعيدة كل البعد عن القيم والعادات والدين الاسلامى.
-        هههههههههه يبقى مصر ها تفضل متخلفة.
-        أنت شايف كده .
-        طبعا وأنا مع كل اللى بينادوا بالدولة المدنية.
-        شكرا على الوقت اللى قضيته معك.
-        العفو ده أنا اللى متشكر.
تركته وترجلت بعيدا عنه ولكننى لمحته يتحدث مع أحد الشباب ثم غادرا الميدان سويا.

ليست هناك تعليقات: